نهاية تنظيم PKK- من حلم الانفصال إلى إحراق السلاح في العراق.

المؤلف: نديم شنر08.25.2025
نهاية تنظيم PKK- من حلم الانفصال إلى إحراق السلاح في العراق.

في مشهد بالغ الدلالة، أضرم ثلاثون عنصرًا من تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، مناصفة بين الرجال والنساء، النيران في أسلحتهم أمام كهف كاسينا بمدينة السليمانية العراقية، وذلك في الحادي عشر من شهر يوليو/تموز. هذه الخطوة الرمزية تحمل في طياتها إمكانية إحداث تحولات جذرية، لا تقتصر على الساحة التركية فحسب، بل تمتد لتشمل منطقة الشرق الأوسط بأسرها.

تأتي هذه المبادرة كنتيجة لمسار طموح تبنته الدولة التركية، يحمل اسم "تركيا خالية من الإرهاب"، وهو مسعى يهدف إلى استئصال جذور الإرهاب من الأراضي التركية.

وهكذا، تحول حلم الانفصال الذي راود تنظيم PKK طيلة خمسة عقود إلى مجرد ذكرى باهتة، حيث احترقت الأسلحة التي كانت تمثل أداته لتحقيق هذا الحلم.

في عام 1973، تجمع الانفصاليون حول عبد الله أوجلان، تحت مسمى "الأبوجيين"، وفي اجتماع تاريخي عُقد في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1978 في سهل فِس- ليجه، بديار بكر، تأسس رسميًا تنظيم "حزب العمال الكردستاني" أو PKK.

وفي 29 يوليو/تموز 1979، قام عناصر التنظيم بتنفيذ عملية اغتيال استهدفت النائب عن أورفا، محمد علي بوجاق. وترك المنفذون بيانًا يحمل اسم "قرار المؤتمر الأول"، معلنين فيه عن انطلاق نشاطهم الإرهابي الجماعي، ومطالبين بـ"تأسيس دكتاتورية شعبية في كردستان موحدة ومستقلة".

وفي 15 أغسطس/آب 1984، شنّ عناصر الجماعة هجمات دامية على بلدتي إروه وشمدينلي. أطلقوا النار لأول مرة على موظفين رسميين، مما أدى إلى استشهاد جنديين وتسعة مدنيين أبرياء. ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم، انطلقت موجة من الإرهاب الأسود أزهقت أرواح ما يقرب من خمسة عشر ألف مواطن تركي، من بينهم رجال شرطة بواسل، جنود أشاوس، حراس أمناء، معلمون أفاضل، أطباء رحماء، وممرضون ملائكيون، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية فادحة قُدّرت بتريليونَي دولار أمريكي.

منذ عام 1984، وخلال أربعة عقود من المواجهات الضارية، تم القضاء على 46 ألفًا و276 عنصرًا من عناصر التنظيم الإرهابي. كان الهدف الأسمى لـ PKK هو تقويض أواصر الأخوة التاريخية الراسخة بين الأتراك والأكراد، والتي تمتد جذورها لأكثر من ألف عام، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعًا في تحقيق هذا المبتغى الخبيث، وعجزوا عن النيل من هذه العلاقة الوثيقة.

على الرغم من الدعم اللامحدود الذي تلقاه التنظيم من قوى إمبريالية، إلا أن قوة الدولة التركية الشامخة أجبرت هذا التنظيم الممتد منذ خمسين عامًا على الاستسلام والرضوخ.

وفي 27 فبراير/شباط 2025، أعلن عبد الله أوجلان، الذي أُلقي القبض عليه في عام 1999 وحُكم عليه بالسجن المؤبد، عن حل التنظيم من الناحية الأيديولوجية. أوجلان، مؤسس تنظيم PKK الذي انطلق في عام 1979 بحجة تأسيس "دكتاتورية شعبية في كردستان موحدة ومستقلة"، وبعد مرور 52 عامًا على تأسيس التنظيم، أقرّ بأن هذا المشروع الانفصالي قد وصل إلى طريق مسدود، ولم يعد بالإمكان تحقيقه.

"إن فكرة الدولة القومية المنفصلة، والفدرالية، والحكم الذاتي الإداري، والحلول الثقافية، والتي هي نتاج الانجراف القومي المتطرف، لم تعد تجيب عن تساؤلات السوسيولوجيا التاريخية."

مع انهيار الاشتراكية الواقعية في التسعينيات لأسباب داخلية، وتفكك سياسة إنكار الهوية في البلاد، والتطورات الإيجابية التي طرأت على حرية التعبير، وقع تنظيم PKK في فراغ فكري قاتل وتكرار عقيم.

وبناءً على ذلك، وصل التنظيم إلى نهاية مساره، تمامًا كما حدث مع نظرائه، وأصبح حله أمرًا محتومًا لا مفر منه. يجب على جميع الفصائل التابعة له إلقاء السلاح، ويجب على تنظيم PKK أن يحلّ نفسه بنفسه.

وهكذا، لم تعد هناك مطالب بإنشاء دولة منفصلة، أو نظام فدرالي، أو حتى مطالبات بثقافة رسمية أو لغة رسمية. وبما أن الانفصال لم يعد مطروحًا على الإطلاق، فإن تنظيم PKK، الذي وصفه أوجلان بأنه "خاوٍ من المعنى"، لم يعد له أي جدوى أو ضرورة.

لقد أظهرت التغييرات الهائلة التي طرأت على أسلوب مكافحة الإرهاب بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادتها منظمة غولن الإرهابية في 15 يوليو/تموز 2016، والتقدم المذهل الذي حققته الصناعات الدفاعية التركية، والنجاحات الباهرة التي حققتها الاستخبارات التركية في تنفيذ عمليات دقيقة ومحكمة، أن المشكلة الإرهابية المزمنة التي سعت الحكومات السابقة لحلها عن طريق المفاوضات، يمكن حسمها بشكل قاطع من خلال المواجهة الحاسمة.

لم تقتصر العمليات العسكرية الناجحة على الداخل التركي فحسب، بل امتدت لتشمل مناطق أخرى. فقد أسفرت عمليات درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام، التي نُفّذت في الأراضي السورية على الرغم من معارضة الولايات المتحدة وروسيا، عن إنشاء مناطق آمنة ومستقرة. كما كانت عمليات "المخلب" التي جرت في شمال العراق محطات حاسمة في مسيرة مكافحة الإرهاب.

ومن خلال عمليات دقيقة ومراوغة نفّذها جهاز الاستخبارات الوطنية التركي، تم القضاء على ما يقرب من 200 من قيادات تنظيم PKK، الأمر الذي أدى إلى شلّ قدراته القيادية والتنظيمية. وبات التنظيم، الذي لم يعد له وجود فعلي داخل تركيا، عاجزًا عن التحرك بحرية في سوريا والعراق، وقد هُزم شر هزيمة دون أن يتمكن من تحقيق أي من أهدافه الخبيثة.

أما التطورات العالمية المتسارعة، ولا سيما نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، فقد أظهرت بجلاء أن الدعم الأوروبي والأميركي لتنظيم PKK في طريقه إلى الزوال والاضمحلال. وما تبقى له من دعم هزيل من قبل إسرائيل، وبعض الجهات الخبيثة في إيران، لم يعد كافيًا على الإطلاق لإبقائه على قيد الحياة.

كما أن الثورة السورية المباركة التي انتصرت في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 قد دفعت الكيان القائم في سوريا، والمتمثل بـ PKK/PYD-YPG، نحو الاندماج القسري مع النظام الجديد.

وقد أعلن قادة تنظيم PKK، في مؤتمرهم الثاني عشر الذي عُقد بين 5 و7 مايو/أيار 2025، عن حل التنظيم من الناحية التنظيمية، بعد أن سبق لأوجلان أن أعلنه من الناحية الأيديولوجية، وذلك على النحو التالي:

"اتخذ مؤتمر PKK الثاني عشر قرارًا تاريخيًا بحلّ البنية التنظيمية للتنظيم وإنهاء أسلوب الكفاح المسلح، منهيًا بذلك جميع الأنشطة التي كانت تُدار سابقًا باسم PKK".

وعلى الرغم من وجود بعض التصريحات الخافتة داخل تنظيم PKK التي تُعارض فكرة إلقاء السلاح، فإن رسائل أوجلان القوية، لا سيما الفيديو الأخير المصوَّر بالصوت والصورة الذي كرر فيه الدعوة إلى السلام، لم تترك لأعضاء التنظيم أي خيار آخر سوى إحراق الأسلحة ولو على سبيل الرمزية.

ومن المعروف للجميع أن تنظيم PKK هو كيان إرهابي له أذرع خبيثة في العراق، وإيران، وسوريا، بالإضافة إلى تركيا. وبعد أن أُحرقت الأسلحة في العراق، يُنتظر الآن أن يتم تسليم الآلاف من الأسلحة الأخرى التي لا تزال في حوزتهم.

ومن ناحية أخرى، فإن تصفية جناحه الإرهابي في إيران المعروف بـ PJAK، وجناحه السوري PYD/YPG، ودمج العناصر غير المتورطة في جرائم بشعة في بنية النظام السوري الجديد، يعتبران من الأهداف الرئيسية التي يجب تحقيقها.

وقد أكّد عمر تشيليك، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية والمتحدث الرسمي باسم الحزب الحاكم في تركيا، على موقف تركيا الحازم والثابت، قائلًا:

"إن عملية نزع السلاح الشاملة لا تقتصر على تنظيم PKK الإرهابي، بل يجب أن تشمل أيضًا جميع امتداداته الخبيثة، مثل PYD/SDG وPJAK، إضافة إلى البنى الأيديولوجية والمالية غير الشرعية، مثل KCK."

"تدير تركيا هذا المسار الحساس دون تدخل أي طرف ثالث، من خلال آلية تحقق ذاتية مستقلة. جهاز الاستخبارات الوطنية والقوات المسلحة التركية يراقبان عن كثب التطورات على الأرض بكل حزم وعزم."

"هذه العملية التاريخية التي انطلقت بمبادرة كريمة من السيد دولت بهتشلي، رئيس حزب الحركة القومية، باتت الآن مشروع دولة شامخ بإرادة قوية من الرئيس رجب طيب أردوغان. هدفنا الأسمى هو تحقيق تركيا خالية تمامًا من الإرهاب. هذه العملية تمثل أملًا حقيقيًا في السلام والأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة، من تركمان، عرب، أكراد، إيزيديين، علويين، سنة وشيعة. لن يُسمح بعد الآن لهذه التنظيمات الإرهابية أن تتسبب في مجازر مروعة بحق الشعوب البريئة من خلال الحروب بالوكالة."

لقد لعبت التطورات الإقليمية المتلاحقة دورًا حاسمًا في إيصال تنظيم PKK إلى هذه المرحلة المزرية. لا سيما العلاقة الوثيقة التي طوّرها الرئيس السوري، أحمد الشرع، مع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، والتي كانت مؤثرة للغاية.

وقد أطلق السفير الأميركي المرموق في تركيا، والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، تصريحات جريئة تشير بوضوح إلى تغير السياسة الأميركية تجاه تنظيم YPG الإرهابي:

"قوات سوريا الديمقراطية (SDG) هي نفسها YPG، وYPG هي مجرد فرع من فروع تنظيم PKK الإرهابي. وPKK قد بدأ اليوم بالفعل في إلقاء سلاحه، وهذه خطوة كبيرة ومهمة للغاية بالنسبة لتركيا."

"نحن لا ندين للدولة التركية تجاه YPG بأي شيء على الإطلاق. لقد حاربنا معهم جنبًا إلى جنب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهذا يفرض علينا دينًا أخلاقيًا، ولكننا لا يمكن أن نقبل أبدًا بوجود دولة داخل الدولة."

"هذا لا يعني إطلاقًا أننا في طريقنا لإنشاء كردستان حرة في سوريا، ولا دولة SDG منفصلة، ولا دولة علوية أو يهودية. هناك سوريا واحدة موحدة، سيتم إعادة هيكلتها بشكل كامل. سيكون لها دستورها الخاص وبرلمانها المنتخب."

"يجب أن يكون هناك علم واحد فقط ودولة واحدة ذات سيادة في سوريا. لا يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط إلى الأبد في سوريا. إذا لم يتمكنوا من الاتفاق مع الحكومة السورية الشرعية، فهذا شأنهم الداخلي. وإذا أرادوا وضع خارطة طريق جديدة، فهذا أيضًا شأنهم."

إن تصريحه العلني بأن YPG هو مجرد فرع من فروع PKK، وأنهم يعارضون بشدة إقامة أي كيان فدرالي في سوريا، يكشف عن تحوّل جذري وكبير في السياسة الأميركية تجاه المنطقة بأكملها.

فالولايات المتحدة، التي قامت بتزويد PYD/YPG، منذ عام 2013، بستين ألف شاحنة محملة بالأسلحة المتطورة والذخيرة الحية تحت ذريعة واهية هي مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقدّمت لهم مئات الملايين من الدولارات سنويًا، تُظهر اليوم، من خلال تغيير سياستها بشكل جذري، أنها هي من سيستعيد السلاح كما كانت هي من قدّمه في السابق.

لأن الولايات المتحدة، وبعد أن فضّلت مصالحها الكبرى التي تتوقعها من علاقاتها الجديدة والمتينة مع النظام السوري، لم تعد مستعدة لتحمّل حالة عدم الاستقرار الدائم التي قد تنشأ من أي كيان انفصالي يديره فرع PKK في سوريا.

ومن ثم، فقد اختارت التعاون الوثيق مع تركيا، الدولة الأقوى والأكثر نفوذًا في المنطقة، والتي لديها قرار واضح وحاسم بتصفية هذا التنظيم الإرهابي بشكل كامل، بدلًا من الاستمرار في علاقة غير منتهية مع تنظيم إرهابي يُشكل تهديدًا مستمرًا لها ولمصالحها الاستراتيجية.

وبذلك، فإن تنظيم PKK، الذي استمدّ وجوده طوال خمسين عامًا من الدعم السخي من روسيا، ثم من أوروبا، وبعد ذلك من إيران، وأخيرًا من الولايات المتحدة الأميركية، بات اليوم فاقدًا لكل هذا الدعم الدولي السخي.

ولم يتبقَّ أمام هذا التنظيم الإرهابي، الذي قام كيانه بالكامل على الدعم الخارجي، إلا خيار واحد لا ثاني له: إلقاء السلاح والاستسلام التام.

وربما يكون هناك استثناء ضعيف يتمثل في الدعم الخفي من إسرائيل الصهيونية ذات النزعة الإباديّة، ولكن حتى هذا الدعم الهزيل لن يكون كافيًا على الإطلاق لإبقاء تنظيم إرهابي مثل PKK على قيد الحياة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة